كيف يمكننا مساعدة الأطفال على فهم معنى الصداقة وتكوين صداقات حقيقية؟

كيف يمكننا مساعدة الأطفال على فهم معنى الصداقة وتكوين صداقات حقيقية؟

من مِنَّا لا يذكر أصدقاء الطفولة؟

صداقات مرَّت، وصداقات ظلَّت بحُلوِها ومُرِّها، أثَّرت فينا وغيّرتنا.

والصداقة كلمة مشتقة من الصدق؛ لأنها علاقة مودَّة ومحبَّة صادقة بين الأصدقاء.

وبالرغم من أننا جميعًا مررنا بتجارب تكوين الصداقات، وما زلنا نمر بها، فإننا نواجه صعوبة في مساعدة الأطفال على تكوينها، وهو ما سنحاول التعرُّف عليه في هذا المقال؛ لأن الموضوع له الأولويَّة  لأسباب من أهمها:

  • تكوين الصداقات يساعد الطفل على اكتساب العديد من المهارات الحياتية التي تزيد من حسن تصرُّفه وثقته بنفسه مع الوقت.
  • سيتعلَّم الطفل معنى الصداقة الحقيقية، وكيف يكون الصديق سندًا لصديقه.
  • مع الصداقة تأتي أيضًا الخلافات التي سيكتسب الطفل مهارة حلِّها والتعامل معها.
  • الصديق يعبِّر لصديقه عن مشاكله ومخاوفه، وهذا يقلِّل من شعور الطفل بالوَحدة.
  • سيُكوِّن الطفل العديد من الذِّكريات التي سيرجع إليها ويتذكَّرها عند كبره.
  • يتعلَّم الطفل من الصداقة مهارات قيادية، كما يتعلَّم التعاون والتوافق واتِّخاذ القرارات، وخصوصًا عند اللعب، بدون التدخل من الكبار.

    كيف يمكننا مساعدة الأطفال على فهم معنى الصداقة وتكوين صداقات حقيقية؟

    للوهلة الأولى، قد يبدو أننا لا نستطيع فعل الكثير؛ لأن تكوين الصداقات عمل خاصّ جدًّا، ولأن صورة الصداقة عند الأطفال ما زالت في مراحل النمو.

    لكنَّ بناء الصداقة وحسن اختيار الصديق، يعتمدان على بعض المهارات التي يمكن للمربِّي الحديث عنها، وتدريب الأطفال عليها.

    وبالرغم من اختلاف البلدان والعادات، فإن بناء صداقات ناجحة يعتمد على مهارات أساسية منها ما هو لاكتساب صداقات جديدة، ومنها ما هو للحفاظ على الصداقات المكتسبة بالفعل، ومنها ما هو لحل بعض المشكلات والأزمات التي تتعرض لها العلاقة.

    وفي البداية، لا بدَّ من بناء حوار مفتوح وصداقة مع الطفل نفسه، فلا تكون كأنها نصائح تعليمية، بل حكايات وقصص قصيرة، ربما عن أطفال مرُّوا بمواقف متنوعة وكيف تصرفوا فيها، وقراءة بعض الكتب والمناقشة حول أحداثها، أو تمثيل بعض المواقف التي قد تحصل في الحقيقة، ولكن بصورة لعب.

    وسنبدأ بالخطوة الأولى، وهي كيفية اكتساب الصداقات الجديدة:

    ١- إلقاء التحية

    كـ "صباح الخير يا فلان"، و"كيف حالك اليوم"؟ إلخ.

    وضِّحي للطفل أهمية التحية، وعلِّميه أن يُحيِّي زملاءه في المدرسة والنادي وغير ذلك، ويمكنكما أن تتدرَّبا معًا على طرق إلقاء التحية والردّ عليها مع أفراد العائلة والجيران، وهكذا.

    ولا ننسى أهمية حركة الجسد والوجه، وإظهار السعادة بلقاء الآخرين، واستخدام أسمائهم الشخصية.

    ويمكننا التدرُّب على ذلك ببساطة معًا في المنزل أو الفصل، واشْرحي للطفل أنه لا يجب أن يكون صديقًا بالفعل لمن يلقي عليه التحية، بل يكفي أن يعرفه ولو معرفة سطحيَّة، ويظن أنه لطيف وودود، كما كان بطلنا "علي" في قصة "كوريه ج نالويه"، يلقي تحية لطيفة متناغمة مع اسم من يقابله.

    فالتَّحية تساعد جدًّا في تطوير العلاقات، وإظهار الرغبة في مصادقة الآخرين، وضروري أن  تشجعي الطفل ألا يفكر بأفكار سلبية، كأن الآخر لن يرد التحيَّة مثلًا، ولو حدث الموقف، علِّميه أن يلتمس له العذر، فقد يكون الآخر خجولًا أو لم يسمعه، إلى غير ذلك.

    ثم ماذا بعد التحية؟

    ٢- المجاملات الصادقة

     عرِّفي الطفل أن كل الناس يحبون سماع المجاملات الصادقة، وأنه يمكنه ذلك ببساطة وسهولة، كأن يقول لزميل: "أعجبتني الشجرة التي رسمتها"، أو "هذا الجوَّال رائع"، إلى غير ذلك. 

    كما أنه لو سمع مجاملة من أحد عليه ألا يخجل، بل يبتسم ويقول بوضوح: "أشكرك". وقومي بتعزيز هذه الصفة عنده مع أفراد العائلة، وشجِّعيه على ممارستها مع من يقابل من أطفال.

    ٣- أثر الطيبة

    هناك أفعال بسيطة من الطيبة والاهتمام، إذا فعلها الطفل مع من يرغب في صداقته، ستؤثر بشكل كبير، كالهدية البسيطة، والابتسامة، والمساعدة.

    وهذا الفعل من أفعال الخير وينتشر أثره كالضوء الذي يشعُّ في كل اتجاه، كما نرى الفتاة الصغيرة في كتاب "هكذا يشعُّ وجهي"، وأثر الكلمات والأفعال الطيبة الجميل يظهر على وجهها من بداية القصة لنهايتها.

    ٤- اهتمام مشترك

    البحث عن اهتمامات مشتركة وبناء الصداقة على أساسها، فبعض الأطفال يحبُّون الرسم، وبعضهم يفضِّلون اللعب بالكرة، إلى غير ذلك من الاهتمامات المختلفة.
    يمكنكِ شرح ذلك للطفل، وتوصيل فكرة البحث عن شغف مشترك بينه وبين من يرغب في صداقته؛ لأنّ الصداقة بالأساس تعتمد على حصول متعة مشتركة من الصُّحبة بين الطرفين؛ فالتواصل هو المهم وليس الإبهار؛ لأن بعض الأطفال يظنُّون أحيانًا أنهم لا بدَّ أن يكونوا مثاليين ومبهرين حتى يرغب الآخرون في مصادقتهم.

     

    وفي قصة "عطوس"، هذا ما كان يظنه "عطوس" عندما خرج من مدينته وانعزل عن الآخرين؛ لظنِّه أنه لن يجد من يحبه ويصادقه، لأنه ليس مثل الآخرين في مدينة الذهب.

    ٥- تمهل!

    التمهُّل والصبر من الصفات المهمة التي لا يكتسبها الأطفال بسهولة؛ فالتعجُّل من سمات الأطفال، ولكن الصداقة تحتاج للتمهُّل والصبر على الطرف الآخر.

    وهذا بالضبط ما فعله "سعدون" عندما حاول التقرُّب من "عطوس" ومصادقته، فلم يغضب أو يتعجَّل، وتفهَّم خجل "عطوس" وانطوائه حتى نجح في تكوين صداقة.

    ٦- لا تكن كالأخطبوط

    البعد عن التعلُّق المبالغ فيه.

    تحدَّثي مع أبنائك أو طلابك بشأن السماح للأصدقاء أن يصادقوا آخرين؛ لأن التمسُّك بالصديق، وعدم السماح له باللعب مع الآخرين يضايقه، وهو بالطبع لا يحب أن يفعل أحد ذلك معه.

    ومن الخطورة أن يُخيِّر الطفل صديقه بين لعِبِهِ مع آخر وإنهاء علاقتهما، ويمكن تمثيل ذلك بأن يقف الطفل ويشده من يديه شخصان في اتجاه مختلف؛ فالإحساس بالضيق المتولِّد عن الشدِّ سيوصل الفكرة.

    لذلك، من حلول مشكلة التعلُّق المبالغ فيه، توصيل فكرة أن مجموعة أكبر تعني متعة أكثر لطفلك، وتعني أفكارًا أكثر للعب، كما أنها تساعد الطفل نفسيًّا في حالة توتر العلاقة مع أحد أصدقائه، أن يجد أصدقاء آخرين يلعب معهم، لذلك شجِّعي أبناءك على مصادقة مجموعة أكبر، وعدم الالتصاق بواحد أو اثنين فقط.

    ومن الأمور المجرَّبة عند احتياج طفلكِ لاكتساب صداقات وتوطيد علاقاته الجديدة بزملائه، مقابلات للعب في المنزل، وإليكِ بعص النصائح لإنجاحها:

    • لو كان عند ابنكِ ألعاب لا يحب مشاركتها، فيُفضَّل وضعها في مكان خَفِي قبل وصول الاصدقاء.
    • يمكنكِ مساعدة ابنكِ في اختيار ألعاب قبل وصول الصديق.
    • إعداد بعض الوجبات الخفيفة.
    • عندما يصل الصديق يُفضَّل أن يقترح عليه الطفل صاحب البيت فكرتين لأشياء يفعلانها، بدلًا من أن يسأله: ماذا نفعل؟
    • تحدَّثي مع طفلكِ عن آداب الضيافة، كمجالسة الصديق، وعدم تركه لفعل شيء آخر لا يشاركه فيه.
    • تحدَّثي معه عن آداب المشورة، وألا يكون مسيطرًا برأيه على ضيفه.
    • عند انتهاء وقت الزيارة المتفق عليه، لا بدَّ من حدوث ذلك بلياقة وهدوء.
    • هذه بعض الأمور التي ستساعد أطفالكِ في إنجاح الزيارات المنزلية.

      وبعد تكوين الصداقة تأتي أهمية شرح بعض خصائصها للطفل؛ لمساعدته على إنجاحها، ويمكن للمربِّي الاستعانة ببعض القصص والحكايات:

      الصديق يتقبَّل صديقه ويساعده في تعديل بعض سلوكياته بالحب، كما فعل "سعدون" مع "عطوس"، فتقبله كما هو وساعده في التغيير للأفضل. 

      الصديق يدعم صديقه في حل مشكلاته، كما ساعد الأولاد "عليًّا" في البحث عن طبق الكحك في "كوريه ج نالويه"، و أصدقاء الكنغر الصغير عندما ساعدوه في الاعتماد على نفسه في "بعيدًا عن لملم".

       

       

      الصديق يُدخل السرور على قلب صديقه، فقد كان عم سمير يحرس الحديقة في صباح يوم العيد وحيدًا، وفكَّر صديقه القرد في خطة ذكية لإسعاده في "كوريه ج نالويه"، وكما تفاجأ "جمال" بصديقه "محبوب" وهو يفاجئه بعدما شعر بالإحباط في "٧٠ كيلو".

       

      الصداقة عطاء مشترك من الطرفين، كما كان "جمال" و"محبوب" الفقمتان يبذل كل واحد جهده لإسعاد الآخر، بالرغم من بُعدِهما الشديد في المسافة عن بعضهما البعض في "٧٠ كيلو". 

      وفي النِّهاية، فالقصص المصوَّرة وحكايات ما قبل النوم، من الوسائل الغنية والناجحة لفتح نقاشات وتوصيل أفكار لطفلك، والتي ربما تجدين صعوبة في الحديث عنها، لذلك أرشح لكل المربِّين  دائمًا استخدام الكتاب كمساعد في تربية طفل متوازن وناجح.

      أقرأ أيضا